الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
تنبيه: قال زين الحفاظ العراقي: لا يعارض قوله هنا العطاس من اللّه قوله في حديث عدي بن ثابت العطاس في الصلاة من الشيطان لأن هذا الحديث مطلق وحديث جد عدي مقيد بحالة الصلاة وقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليستثقل به عنه على أن حديث جد عدي ضعيف أو يقال إنما لا يوصف العطاس في الصلاة بالكراهة لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب . فائدة: أخرج أبو نعيم في الطب النبوي عن علي مرفوعاً من قال عند كل عطسة يسمعها "الحمد للّه رب العالمين على كل حال" لم يصبه وجع ضرس ولا أذى أبداً. - (ت وابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضاً ورمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد جزم الحافظ ابن حجر في الفتح بضعف سنده. [ص 381] 5694 - (العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة والحيض والقيء والرعاف من الشيطان) بمعنى أنه يستلذ بوقوع لك فيها ويحبه ويرضاه لما فيها من الحيلولة بين العبد وما ندب إليه من الحضور بين يدي اللّه والاستغراق في لذة مناجاته ولأنها إنما تكون غالباً من شره الطعام الذي هو من عمل الشيطان قال الطيبي: وإنما فصل بقوله في الصلاة بين الخصال لأن الثلاثة الأولى لا تبطل الصلاة بخلاف الأخيرة أي فإن الحيض يبطلها اتفاقاً والقيء والرعاف عند بعض العلماء وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة إن اللّه يكره التثاؤب ويحب العطاس في الصلاة قال ابن حجر: وهذا يعارضه هذا الحديث وفي سنده ضعيف وهو موقوف وأجاب المؤلف في فتاويه بأن المقام مقامان مقام إطلاق ومقام نسبي أما مقام الإطلاق فإن التثاؤب والعطاس في الصلاة كلاهما من عمل الشيطان وعليه يحمل حديث الترمذي هذا وأما المقام النسبي فإذا وقعا في الصلاة مع كونهما من الشيطان فالعطاس في الصلاة أحب إلى اللّه من التثاؤب فيها والتثاؤب فيها أكره إليه من العطاس فيها وعليه يحمل أثر ابن أبي شيبة فهو راجع إلى تفاوت رتب بعض المكروه على بعض اهـ. - (ت) في الاستئذان من حديث عدي بن ثابت (عن) أبيه عن جده يرفعه وجده قيل اسمه (دينار) وقيل هو دينار القراظ بظاء معجمة الخزاعي المدني تابعي كثير الإرسال قال المناوي: ومدار الحديث على شريك وفيه مقال معروف وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به عن الستة وليس كذلك بل رواه ابن ماجه أيضاً في الصلاة عن دينار المذكور. 5695 - (العطاس عند الدعاء شاهد صدق) وفي رواية شاهد عدل والشاهد الحاضر والصدق ضد الكذب وذلك لأن الملك يتباعد عن العبد عند الكذب من نتن ما جاء به كما جاء في الخبر فإذا غاب الملك عند الكذب حضر عند الصدق فشهد والملك حبيب اللّه وتقدم أن اللّه يحب العطاس فإذا أحبه فهو شاهد بالحق لما يكون عنده من حديث أو دعاء وكان صادقاً كالملك. - (أبو نعيم) في الطب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى بلفظ العطسة عند الحديث شاهد عدل. 5696 - (العفو) الذي هو التجاوز عن الذنب (أحق ما عمل به) فإنه سبحانه يزيد من يعفو عزاً بأن ينتقم له ممن ظلمه فإن انتقم له في الدنيا أظهر عزه على ظالمه وإن أخره للقيامة كان هو العز الأكبر والشرف الأفخر. - (ابن شاهين في) كتاب (المعرفة عن حليس بن زيد بن صفوان) الضبي قال الذهبي: له وفادة من وجه آخر. 5697 - (العقل على العصبة) العقل الدية سمي به لأنه من العقل وهو الشد لأن القاتل يأتي بالإبل فيعقلها بفناء المقتول وبه سميت العصبة التي تحمل العقل عاقلة وفيه دليل لقول فقهائنا إن دية الخطأ يختص وجوبها بعصبة القاتل سوى أصله وفرعه (وفي السقط) أي الجنين الذي فيه صورة خلق آدمي (غرة) أي رقيق أو مملوك ثم أبدل منه قوله (عبد أو أمة) وقيل للرقيق غرة لأنه غرة ما يملك أي خياره وأفضله وقيل أطلق اسم الغرة هي الوجه على الجملة كما قيل رقبة ورأس فكأنه قال فيه نسمة عبد أو أمة ذكره كله الزمخشري. وقال القاضي: الغرة المملوك وأصلها البياض في جبهة الفرس ثم استعير لأكرم كل شيء لقولهم غرة القوم سيدهم ولما كان المملوك خير ما يملك سمي غرة وقيل الغرة لا يطلق إلا للرفيق الأبيض قال الطيبي: وأوفى قوله أو أمة للتقسيم. - (طب عن حمل بن النابغة) صوابه بن مالك بن النابغة كما في التقريب كأصله وهو الهذلي [ص 382] أبو نضيلة بفتح النون وسكون المعجمة صحابي نزل البصرة وله ذكر في الصحيحين. 5698 - (العقيقة حق عن الغلام شاتان متكافئتان) أي متساويتان سناً وحسناً وفي رواية قال مكافئتان قال العسكري: هكذا يقوله بعض المحدثين وهو خطأ وكل شيء نشأ حتى يكون مثله فهو مكافئ له اهـ. وزاده دفعاً لتوهم أن الفداء لو وقع بواحدة ينبغي كونها فاضلة كاملة فلما وقع في ثنتين جاز كون الثانية تتمة غير مقصودة فلا يشرع كمالها. قال ابن القيم: وفيه تنبيه على تهذيب العقيقة من عيوب الأضحية (وعن الجارية شاة) نص صريح يبطل قول من كرهها مطلقاً ومن كرهها عن الجارية وذلك شأن اليهود فإنها كانت تعق عن الغلام لا الجارية ومن ثم عدوا العق عن الأنثى من خصائص هذه الأمة قال الإمام أحمد: الأحاديث المعارضة لأخبار العقيقة لا يعبأ بها. - (حم عن أسماء بنت يزيد) الهيثمي رجاله محتج بهم. 5699 - (العقيقة تذبح لسبع) من الأيام (أو لأربع عشرة) يوماً (أو لإحدى وعشرين) يوماً قال أحمد: يعني أنها تذبح يوم السابع فإن لم يفعل ففي أربع عشرة فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين وحكمه كونها في السبع أن الطفل لا يغلب ظن سلامة بنيته وصحته خلقته وقبوله للحياة إلا بمضي الأسبوع والأسبوع دور يومي كما أن السنة دور شهري. - (طس والضياء عن بريدة) قال الهيثمي: ورواه عنه أحمد أيضاً وفيه إسماعيل بن المكي وهو ضعيف لكثرة غلطه ووهمه. 5700 - (العلماء) بالعلوم الشرعية (أمناء اللّه على خلقه) لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين ففيه أنه يحب الرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم والأمناء جمع أمين وهو الثقة الحافظ لما أوهن عليه وقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم والرجوع إليهم حيث قال - (القضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه أيضاً العقيلي في الضعفاء وقال العامري في شرح الشهاب: حسن. 5701 - (العلماء) وفي رواية الفقهاء (أمناء الرسل) فإنهم استودعوهم الشرائع التي جاؤوا بها وهي العلوم والأعمال وكلفوا الخلق طلب العلم فهم أمناء عليه وعلى العمل به فهم أمناء على الوضوء والصلاة والغسل والصوم والزكاة والحج وعلى الاعتقادات كلها وكل ما يلزمهم التصديق به والعلم والعمل فمن وافق علمه عمله وسره علته [ص 383] كان جارياً على سنة الأنبياء فهو الأمين ومن كان بضد ذلك فهو الخائن وبين ذلك درجات فلذلك قال: (ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا) لفظ الحاكم ويداخلوا في الدنيا (فإذا خالطوا السلطان وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم) لفظ الحاكم فاعتزلوهم أي خافوا منهم واستعدوا وتأهبوا لما يبدو منهم من الشر فإنهم إنما يتقربون إلى السلطان باستمالة قلبه وتحسين قبح فعله وما يوافق هواه وإن أخبروه بما فيه نجاته استثقلهم وأبعدهم فمخالط السلطان لا يسلم من النفاق والمداهنة والخوض في الثناء والإطراء في المدح وفيه هلاك الدين والعلماء ساسات الناس والناس لهم تبع فلا إلباس ما لم يتلطخوا بأقذار الدنيا ويشتغلوا بشهوات النفوس عن مصالح العباد فإنهم إذا فعلوا ذلك سقطوا من مراتب العلية وهانوا على أهل الدنيا الدنية وفي الآخرة عند اللّه قال الثوري: احذر اللياذ بالأمراء وإياك أن تخدع ويقال لك ترد مظلمة وتدفع عن مظلوم فإن هذه خدعة إبليس اتخذها الفقهاء سلماً. - (الحسن بن سفيان) في مسنده عن مخلد بن مالك عن إبراهيم بن رستم عن عمر العبدي عن إسماعيل بن سميع (عن أنس) بن مالك (عق عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه قال ابن الجوزي: موضوع إبراهيم لا يعرف والعبدي متروك وقال المؤلف: قوله موضوع ممنوع وله شواهد فوق الأربعين فنحكم له عن مقتضى صناعة الحديث بالحسن. 5702 - (العلماء أمناء أمتي) قال الخطيب: هذه شهادة من النبي صلى اللّه عليه وسلم بأنهم أعلام الدين وأئمة المسلمين كيف وهم أكمل الخلق علماً بوحدانية اللّه تعالى وصفاته وأعرف الناس بأحكام الحلال والحرام؟ قال الحكيم الترمذي: بعث اللّه الرسل إلى الخلق بمعرفة الأمور ومعرفة التدبير فيها وكيف ولم وكنه الأمور عندهم مكنون قد أفشى اللّه من ذلك إلى الرسل من غيبه ما لا تحتمله عقول من دونهم وبفضل النبوة قدروا على احتماله فالعلم إنما بدأ من عند اللّه إلى الرسل ثم من عند الرسل إلى الخلق فالعلم بمنزلة البحر وأجرى منه وادياً ثم أجرى من الوادي نهراً ثم أجرى من النهر جدول ثم من الجدول ساقية فلو أجرى إلى الجدول ذلك الوادي لغرقه وأفسده ولو مال البحر إلى الوادي لأفسده فبحر العلم عند اللّه فأعطى الرسل منها أودية ثم أعطت الرسل من أوديتهم أنهاراً إلى العلماء ثم أعطت العلماء إلى العامة جداول صغاراً على قدر طاقتهم ثم أجرت العامة إلى سواقيهم من أهلهم وأولادهم بقدر طاقة تلك السواقي ومن ثم جاء في حديث إن للّه سراً لو أفشاه لفسد التدبير وللملوك سراً لو أفشوه لفسد ملكهم وللأنبياء سراً لو أفشوه لفسدت نبوّتهم وللعلماء سراً لو أفشوه لفسد علمهم فلذلك كانوا أمناء على ذلك السرّ وإنما يفسد ذلك لأن العقول لا تحتمله فلما زيدت الأنبياء في عقولهم فنالوا العلم فقدروا على احتمال ما عجزت عنه العامة وزيد في عقول علماء الباطن فقدروا على احتمال ما عجز عنه علماء الظاهر. ألا ترى أن كثيراً منهم عجزوا عن قطع الوسوسة في الصلاة وعن المشي على الماء وطي الأرض حتى جحدوا عامة هذه الروايات التي جاءت في ذلك فلو نظر علماء الظاهر إلى ما أعطى اللّه أولئك فأبصروه لاستحيوا من إنكارهم لكن لم يبصروا ما أعطاهم اللّه وهو المعرفة. - (فر عن عثمان) بن عفان. ورواه عنه أيضاً الجرجاني. 5703 - (العلماء) العاملون (مصابيح الأرض) أي أنوارها التي يستضاء بها من ظلمات الجهل (وخلفاء الأنبياء) على أممهم (وورثتي وورثة الأنبياء) من قبلي فائدة: سئل الحافظ العراقي عما اشتهر على الألسنة من حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل فقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ويغني عنه العلماء ورثة الأنبياء وهو حديث صحيح. - (عد عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أبو نعيم والديلمي. 5704 - (العلماء قادة) أي يقودون الناس إلى أحكام اللّه من أمر ونهي إذ فهم أكمل الناس علماً بوحدانيته تعالى ومعرفة أحكامه والعلم منشأ جميع النعم وأصلها (والمتقون سادة) أي أشراف الناس وأما جدهم (ومجالستهم زيادة) للجالس في تشبيهه بالمتقي والعمل بعلمه واقتفاء أثره والاستضاءة بأنواره. - (ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) ورواه الطبراني في حديث طويل قال الهيثمي: رجاله موثقون. 5705 - (العلماء ورثة الأنبياء) لأن الميراث ينتقل إلى الأقرب وأقرب الأمة في نسبة الدين العلماء الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على الآخرة وكانوا للأمة بدلاً من الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين العلم والعمل وحازوا الفضيلتين الكمال والتكميل. كتب قطب زمانه شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي إلى الإمام الرازي إذا صفت مصادر العلم وموارده من الهوى أمدّته كلمات اللّه التي تنفذ البحار دون نفاذها ويبقى العلم على كمال قوته لا يضعفه تردده في تجاويف الأفكار وبقوته يتلقى الفهوم المستقيمة وهذه رتبة الراسخين في العلم المتسمين بصورة العمل وهم وراث الأنبياء كبر عملهم على العلم وعلمهم على العمل فصفت أعمالهم ولطفت فصارت مسامرات سرية ومحاورات روحية فتشكلت الأعمال بالعلوم لمكان لطافتها وتشكلت العلوم بالأعمال لقوة فعلها وسرايتها إلى الاستعدادات وهو الميراث الأكبر لأن الورثة إنما يورثون ميراث الدنيا بحكم أهل الدنيا والرسل إنما يورثون ورثتهم الحكم الربانية، واعلم أنه كما لا رتبة فوق رتبة النبوة فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة قال ابن عربي: ومقام الوارثين لا مقام أعلى منه شهود لا يتحرك معه لسان ولا يضطرب معه جنان فاغرة أفواههم استولت عليهم أنوار الذات وبدت عليهم رسوم الصفات هم عرائس اللّه المخبؤون عنده المحجوبون لديه الذين لا يعرفهم سواه كما لا يعرفون سواه توّجهم بتاج البهاء وإكليل السناء وأقعدهم على منابر الضياء عن القرب في بساط الأنس ومناجاة الديمومية بلسان القومية لم تزل القوة الإلهية تمدهم بالمشاهدة فهم بالحق وإن خاطبوا الخلق وعاشروهم فليسوا معهم وإن رأوهم لم يروهم إذ لا يرون منهم إلا كونهم من جملة أفعال اللّه فهم يشاهدون الصنعة والصانع ولا تحجبهم الصنعة عن الصانع وذلك غير ضار إلا إن شغل القلب حسن الصنعة فهؤلاء هم الوارثون حقاً فهنيئاً لهم بما نالوا من حقائق المشاهدة وهنيئاً لنا على التصديق والتسليم لهم بالموافقة والمساعدة (يحبهم أهل السماء) أي سكانها من الملائكة (ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة) لأنهم لما ورثوا عنهم تعليم الناس الإحسان وكيفيته والأمر به إلى كل شيء ألهم اللّه الأشياء الاستغفار لهم مكافأة على ذلك ذكره الخطابي، وقال القاضي: إنما يستغفر أهل السماوات لأنهم عرفوا بتعريفه وعظموا بقوله [ص 385] وأهل الأرض لأن بقاءهم وصلاحهم مربوط برأيه وقوله يستغفر لهم مجاز عن إرادة استقامة حالة المستغفر له من طهارة النفس ورفعة المنزلة ورخاء العيش لأن الاستغفار من العقلاء حقيقة ومن الغير مجاز وقال ابن جماعة: وجهه أنها لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم المبينون ما يحل ويحرم منها ويحثون على الإحسان إليها ودفع الضر عنها وقال السيد السمهودي: لا رتبة فوق مرتبة من يشغل الملائكة وغيرهم من المخلوقات بالاستغفار والدعاء لهم حتى تقوم القيامة فإن قلت ما وجه زيادته إلى يوم القيامة قلت لأن العلم ينتفع به بعد موت العالم إلى يوم القيامة ولهذا كان ثوابه لا ينقطع بموته قال الزمخشري: ففيه دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمته من أجل النعم وأجزل القسم وأن من أوتيه فقد أوتي فضلاً عظيماً وما سماهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوّام بما بعثوا من أجله. - (ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) ضعفه جمع وقال ابن حجر: له طرق وشواهد يعرف بها أن للحديث أصلاً اهـ. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحد من المشاهير وهو غفول فقد خرجه أبو نعيم والديلمي والحافظ عبد الغني وغيرهم باللفظ المذكور بعضهم من حديث أنس وبعضهم من حديث البراء. 5706 - (العلماء ثلاثة رجل عاش بعلمه وعاش الناس به ورجل عاش الناس به وأهلك نفسه ورجل عاش بعلمه ولم يعش به غيره) فالأول من علم وعلَّم غيره والثاني من علم فعمل الناس بعلمه ولم يعمل هو بما علم والثالث من عمل بعلمه ولم يعلم غيره. - (فر عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال الذهبي في الضعفاء: قال النسائي وغيره متروك. 5707 - (العلم) أي الشرعي (أفضل من العبادة) لأن العلم مصحح لغيره مع كونه متعدياً فالعبادة مفتقرة له ولا عكس ولأن العلماء ورثة الأنبياء ولا يوصف المتعبد بذلك ولأن العلم تبقى ثمرته بعد صاحبه والعبادة تنقطع بموته ومن ثمة اتفقوا كما في المجموع على أن الاشتغال بالعلم أفضل منه بنحو صلاة وصوم (ملاك) بكسر الميم (الدين) أي قوامه ونظامه (الورع) أي قوة الدين واستحكام قواعده التي بها ثبات الورع بالكف عن التوسع في الأمور الدنيوية المشغلة عن ذكر اللّه ودوام مراقبته. - (خط وابن عبد البر في) كتاب (العلم) كلاهما (عن ابن عباس) وفيه معلى بن مهدي قال الذهبي في الذيل: قال أبو حاتم يأتي أحياناً بالمنكر وسوار بن مصعب أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد والدارقطني متروك الحديث. 5708 - (العلم أفضل من العمل) لما تقرر ولأن في بقاء العلم إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة ولأن العابد تابع للعالم مقتد به مقلد له واجب عليه طاعته وفي الغيلانات إذا خلا الزمن عن سلطان ذي كفاءة فالأمور موكولة إلى العلماء ويلزم الأمة الرجوع إليهم ويصيرون ولاة فإن عسر جمعهم على واحد استقل كل قطر بإتباع علمائه فإن كثروا فالمتبع أعلمهم فإن استووا أقرع اهـ. قال السمهودي: وهذا من حيث انعقاد الولاية الخاصة فلا ينافي وجوب الطاعة العلماء مطلقاً فاندفع ما للسبكي هنا وكان الإمام مالك يمتنع من الولايات فيحبس ويعذر ومع ذلك يمتثل أمره وكذا الشافعي فقد روى البيهقي كان الشافعي عطرا وكان به باسور فكان يمسح الاسطوانة التي يجلس عليها بغالية فعمد شخص إلى شاربه فلطخه قذراً وجاء حلقة الشافعي فقال: ما حملك على ذلك قال: رأيت تجبرك فأردت التواضع فأمر باعتقاله حتى انصرف فضربه ثلاثين أو أربعين وقال: هذا بما تخطيت المسجد بالقذر (وخير الأعمال أوساطها) لتوسط الوسط بين طرفين مذمومين [ص 386] إذ كل خصلة حسنة لها طرفان مذمومان فالسخاء وسط بين البخل والتبذير والشجاعة بين الجبن والتهور وأبعد الجهات والمقادير من كل طرفين وسطهما فإذا كان في الوسط فقد ابتعد عن المذموم بقدر الإمكان (ودين اللّه تعالى بين القاسي والغالي) يشير إلى أن المتدين ينبغي أن يكون سائساً لنفسه مدبراً لها فإن للنفس نفوراً يفضي بها إلى التقصير ووفوراً يؤول إلى سرف وقيادها عسر ولها أحوال ثلاثة فحال عدل وإنصاف وحال غلو وإسراف وحال تقصير وإجحاف فالأول أن يختلف قوي النفس من جهتين متقابلتين طاعة مسعدة وشفقة كافة فطاعتها تمنع من التقصير وشفقتها تصد عن السرف وهذه أحمد الأحوال لأن ما منع من التقصير تام وما صدّ عن السرف مستديم فالنمو إذا استدام فأخلق به أن يستكمل ومن ثم قال الحكماء: طالب العلم وعامل البر كآكل الطعام إن أخذ منه قوتاً عصمه وإن أسرف فيه بشمه وربما كانت فيه منيته وأما حال التقصير فبأن تختص النفس بقوة الشفقة وتقدم قوى الطاعة فيدعوها الإشفاق إلى المعصية فيكون خائناً مغبوناً (والحسنة بين السيئتين لا ينالها إلا اللّه) قال أبو عبيد: أراد أن الغلو في العمل سيئة والتقصير عنها سيئة والحسنة كما جاء في خبر في فضل قارئ القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه فالغلو فيه التعمق والجفاء عنه التقصير وكلاهما سيئة (وشر السير الحقحقة) هي المتعب من السير أو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه والقصد بها الإشارة إلى الرفق في العبادة وعدم إجهاد النفس في المشقة فيها وهذا الحديث قد عدوه من الحكم والأمثال. - (هب عن بعض الصحابة) فيه زيد بن رفيع أورده الذهبي في الضعفاء. 5709 - (العلم) أي العلم الذي هو أصل علوم الدين أو العلم النافع في الدين فالتعريف للعهد (ثلاثة) أي ثلاثة أقسام (وما سوى ذلك فهو فضل) أي زائد لا ضرورة إلى معرفته قال في المغرب: الفضل الزيادة وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه حتى قيل فضول بلا فضل وطول بلا طول ثم قيل لمن لا يعنيه فضوليّ (آية محكمة) أي لم تنسخ أو لا خفاء فيها قال الحرالي: وهي التي أبرم حكمها كما يبرم الحبل الذي يتخذ حكمة أي زماماً يزم به الشيء الذي يخاف خروجه عن الانضباط كأن الآية المحكمة تحكم النفس عن جولانها وتمنعها عن جماحها وتضطرها إلى محالها وقال الطيبي: المحكمة التي أحكمت عباراتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه فكانت أم الكتاب أي أصله فتحمل المتشابهات عليها وترد إليها ولا يتم ذلك إلا للماهر الحاذق في علم التفسير والتأويل الحاوي لمقدمات تفتقر إليها من الأصلين وأقسام العربية (أو سنة قائمة) أي ثابتة دائمة محافظ عليها معمول بها عملاً متصلاً من قامت السوق نفقت لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات وينافس فيه المحصلون وإذا عطلت وأضيفت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه ودوامها إما أن يكون لحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال والجرح والتعديل ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والضعيف المتشعب منه أنواع كثيرة وما يتصل بها من المتممات وإما أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان والتيقظ وتفهم معانيها واستنباط العلوم الجمة منها لأن جلها بل كلها من جوامع الكلم التي أوتيها وخص بها هذا النبي الأميّ صلى اللّه عليه وسلم (أو فريضة عادلة) أي مساوية للقرآن في وجوب العمل بها وفي كونها صدقاً وصواباً ذكره القاضي أو المراد العدل في القسمة أي معدله على سهام الكتاب والسنة بلا جور أو أنها مستنبطة منهما وسميت عادلة لأنها معادلة أي مساوية لما أخذ منها قال الطيبي: ويفقه من هذا أن المراد بقوله وما سوى ذلك هو فضل أن الفضل واحد الفضول الذي لا دخل له في أصل علوم الدين وما استعاذ منه بقول أعوذ باللّه من علم لا ينفع. - (د ه) في السنة (ك) في الرقاق (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الذهبي في المهذب وتبعه الزركشي: فيه عبد الرحمن بن الفم ضعيف وقال في المنار: [ص 387] فيه أيضاً عبد الرحمن بن رافع التنوخي لم تثبت عدالته بل أحاديثه مناكير اهـ. وأقول: فيه أيضاً عند ابن ماجه وغيره: رشد ابن سعد ومن ثم قال ابن رجب: الحديث فيه ضعف مشهور. 5710 - (العلم ثلاثة كتاب ناطق) أي مبين واضح (وسنة ماضية) أي جارية مستمرة ظاهرة (ولا أدري) أي قول المجيب لمن سأله عن مسألة لا يعلم حكمها لا أدري قال ابن عطاء اللّه: من علامة جهل السالك بطريق علم الظاهر أو الباطن أن يجيب عن كل ما يسأل عنه ويعبر عن كل ما شهد ويذكر كل ما علم لدلالته على أنه لم يكن باللّه ولا للّه بل لنفسه إذ النفس مع العقل والتمييز ومن طلب الحق بالعقل ضل وكان دليلاً على جهله اهـ. وقال الماوردي: ليس بمتناه في العلم إلا ويجد من هو أعظم منه بشيء إذ العلم أكثر من أن يحيط به بشر وقيل لحكيم: من يعرف كل العلم قال: كل الناس وقال الشعبي: ما رأيت مثلي ولا أشاء أن ألقي رجلاً أعلم مني إلا لقيته وهذا لم يقله تفضيلاً لنفسه بل تعظيماً للعلم أن يحاط به وكلما يجد بالعلم معجباً وبما أدركه منه مفتخراً إلا من كان فيه مقلاً مقصراً لأنه يجهل قدره ويظن أنه نال بالدخول أكثر من غيره وأما من كان فيه متوجهاً ومنه مستكثراً فهو يعلم من بعد غايته والعجز عن إدراك نهايته ما يصده عن العجب به وقالوا: العلم ثلاثة أشبار فمن نال منه شبراً شمخ بأنفه وظن أنه هو ومن نال منه الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه ما ناله وأما الثالث فهيهات لا يناله أحد قال أعني الماوردي: ومما أنذرك من حالي أني صنفت في البيوع كتاباً جمعت له ما استطعت من كتب الناس وأجهدت فيه نفسي وكدرت فيه خاطري حتى تهذب واستكمل وكدت أعجب به وتصورت أني أشد الناس اضطلاعاً بعلمه فحضرني أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه بالبادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لشيء منها جواباً فأطرقت مفكراً ولحالي معتبراً فقالا: ما عندك له جواب وأنت زعيم هذه الطائفة قلت: لا، فقالا: أيها لك وانصرفا فسألا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي فسألاه فأجابهما مسرعاً فانصرفا راضيين بجوابه حامدين لعلمه فبقيت مرتبكاً فكان ذلك زاجر نصيحة وتدبر عظمة اهـ. وأخذ من الحديث أن على العالم إذا سئل عما لا يعلمه أن يقول لا أدري أو لا أحققه أو لا أعلمه أو اللّه أعلم، وقول المسؤول لا أعلم لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة لأن العالم المتمكن لا يضر جهله ببعض المسائل بل يرفعه قوله لا أدري لأنه دليل على عظيم محله وقوّة دينه وتقوى ربه وطهارة قلبه وكمال معرفته وحسن نيته وإنما يأنف من ذلك من ضعفت ديانته وقلت معرفته لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين ولا يخاف من سقوطه من نظر رب العالمين وهذه جهالة ورقة دين ومن ثم نقل لا أدري ولا أعلم عن الأئمة الأربعة والخلفاء الأربعة بل عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وجبريل عليهما السلام كما مر في حديث خير البقاع المساجد وفي مسند الدارمي موصولاً من عدة طرق أن علياً كرم اللّه وجهه سئل عن مسألة فقال: لا علم لي بها ثم قال: وأبردها على كبدي سئلت عما لا علم لي به فقلت لا أعلم وفيه أن رجلاً سأل ابن عمر عن مسألة فقال: لا علم لي بها فولى الرجل فقال ابن عمر: نعم ما قال ابن عمر وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن مردويه عن خالد بن أسلم خرجنا نمشي مع ابن عمر فلحقنا أعرابي فسأله عن إرث العمة فقال: لا أدري قال: أنت ابن عمر ولا تدري! قال: نعم اذهب إلى العلماء فلما أدبر قبل ابن عمر يديه وقال: نعم ما قلت، وأخرج البخاري عن ابن مسعود من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل اللّه أعلم فإن من علم الرجل أن يقول لما لا يعلم اللّه أعلم، ورواه الدارمي بلفظ إذا سئل العالم عما لا يعلم قال: اللّه أعلم، وأخرج الهروي عن ابن مسعود إذا سئل أحدكم عما لا يدري فليقل لا أدري فإنه ثلث العلم، وأخرج الحازمي في سلسلة الذهب عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عجلان: إذا أخطأ العالم لا أدري أصيب في مقاتله، والأخبار والآثار في هذا كثيرة وإنما أطلت بإيراد هذه النبذة لما تطابق عليه فقهاء زماننا من التحاشي عن ذلك والمبادرة إلى الجواب باللسان والقلم كيف كان. - (فر عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن الديلمي رواه مرفوعاً وهو ذهول، بل صرح في الفردوس بعدم [ص 388] رفعه ورواه عنه أبو نعيم أيضاً والطبراني في الأوسط والخطيب في رواة مالك والدارقطني في غرائب مالك موقوفاً قال الحافظ ابن حجر: والموقوف حسن الإسناد. 5711 - (العلم حياة الإسلام) أي لأن الإسلام لا تعلم حقيقته وشروطه وآدابه إلا به (وعماد الدين) أي معتمده ومقصوده الأعظم (ومن علم علماً أتم) بمثناة فوقية بخط المصنف وفي خبر يأتي أنمى (اللّه له أجره) بالنون، ومعنى أتم أكمل ففي المصباح تم الشيء يتم تكملت أجزاؤه، أنمى زاد (ومن تعلم فعمل علمه اللّه ما لم يعلم) أي العلم اللدني الذي هو موهبة من اللّه يدرك به العبد ما للنفس من الحظوظ والفرض وما للحق من الحقوق والمفترض فيترك ما لها من الحظوظ ويقوم بما للحق من الحقوق وهو معنى قول البعض أراد به إلهامه علم ما لم يتعلم من مزيد معرفة اللّه وخدع النفس والشيطان وغرور الدنيا وآفات العمل من نحو عجب ورياء وكبر ورياضة النفس وتهذيبها وتحمل الصبر على مرّ القضاء والشكر على النعماء والثقة بما وعد والتوكل عليه وتحمل أذى الخلق، وقد ثبت أن دقائق علوم الصوفية منح إلهية ومواهب اختصاصية لا تنال بمعتاد الطلب، فلزم مراعاة وجه تحصيل ذلك وهو ثلاث: الأوّل العمل بما علم على قدر الاستطاعة. الثاني اللجأ إلى اللّه على قدر الهمة. الثالث إطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأهل السنة ليحصل الفهم وينتفي الخطأ ويتيسر الفتح، وقد أشار لذلك الجنيد بقوله: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، والمراء والجدال، بل عن الجوع والسهر ولزوم الأعمال. قال الغزالي: من انكشف له ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفاً بصحة الطريق، ومن لم ير ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جداً، ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والوقائع فكل حكم يظهر في القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام، وقال حجة الإسلام: يتعين أن يكون أكثر الاهتمام بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة فإن المجاهدة تفضي إلى المشاهدة فجاهد تشاهد دقائق علم القلوب وتنفجر منها ينابيع الحكمة من القلب أما الكتب في التعليم فلا تفي بذلك بل الحكمة الخارجة عن الحصر الخارجة عن الحصر والحد إنما تنفتح بالمجاهدة قال: وكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التعلم ومتوفر على العمل ومراقبة القلب فتح اللّه له من لطائف الحكم ما تحار فيه عقول ذوي الألباب فلذلك قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم من تعلم فعمل إلخ وفي بعض الكتب السالفة يا بني إسرائيل لا تقولوا العلم في السماء من ينزله ولا في تخوم الأرض من يصعد به ولا من وراء البحار من يعبر يأتي به العلم محصور في قلوبكم تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين وتخلقوا بأخلاق الصديقين أظهر العلم من قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم ويعمركم انتهى. وقال الإمام مالك: علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر فمتى علم الظاهر وعمل به فتح اللّه عليه علم الباطن ولا يكون ذلك إلا مع فتح قلبه وتنويره وقال: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذفه اللّه في القلب يشير إلى علم الباطن.
|